محمد إبراهيم (الجزائر)

جمعة حاسمة ينتظرها الجزائريون اليوم، إذ توافق الجمعة العشرون للحراك الشعبي الذكرى الـ57 لعيد الاستقلال، وسط دعوات إلكترونية للحشد بأعداد كبيرة في تظاهرات اليوم للتأكيد على ضرورة مطالب الحراك.
وتأتي تظاهرات اليوم عقب أسبوع شهد تنفيذ مطلب رئيس للحراك باستقالة معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان)، الذي يراه الحراك أحد رموز نظام بوتفليقة، وكذلك إعلان الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح عن مبادرة سياسية للخروج من حالة الانسداد السياسي تشمل إطلاق حوار للمعارضة والقوى السياسية المختلفة دون تدخل من الدولة، وتشكيل هيئة مستقلة تتولى الإشراف والتحضير والرقابة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتعديل قانون الانتخابات بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة.
ومن المقرر أن تعقد المعارضة الجزائرية غداً السبت أول مؤتمر لها بمشاركة 10 أحزاب و5 نقابات، بالإضافة إلى 80 جمعية من المجتمع المدني، بحسب عبدالعزيز رحابي، المنسق العام للمؤتمر.
ويشارك في المؤتمر شخصيات ورموز تاريخية من بينهم المناضلة جميلة بوحيرد إحدى رموز ثورة التحرير، والرئيس الأسبق اليمين زروال، والدبلوماسي والوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي.
وقال المحلل السياسي شريف لخضاري لـ«الاتحاد»، إن «المبادرة التي أطلقها الرئيس بن صالح يقصد بها إلقاء الكرة في ملعب المعارضة». وأضاف «طوال الفترة الماضية ظل الحراك والمعارضة يتهمون الدولة بعدم الاستجابة لمطالبهم، ولكن هذه المبادرة ستكون كاشفة لمن يرغب فعلاً في الحل ومن يعقد الأمور». وأشار إلى أن استقالة معاذ بوشارب من المجلس الشعبي الوطني تدفع بقوة في اتجاه حل الانسداد السياسي، خاصة في ظل ما تعهد به بن صالح في خطابه الأخير.
وقال لخضاري إن «الرئيس بن صالح قدم مبادرة تتضمن إطلاق حوار للمعارضة والقوى السياسية المختلفة لبحث كل المقترحات بحرية تامة، ودون حضور ممثلين عن الدولة التي ستكتفي بتوفير الدعم اللوجيستي للمؤتمر، وتشكيل هيئة مستقلة تتولى الإشراف والتحضير والرقابة على الانتخابات الرئاسية المقبلة لها كامل الصلاحيات والاستقلالية في القرار، وتعديل قانون الانتخابات بما يتناسب مع تشكيل الهيئة، وهذا كله ما كان يطالب به الحراك منذ بدايته». وأضاف أن «الهدف الذي يحاول الجميع الوصول له هو الانتخابات الرئاسية، ولكن كل يحاول الوصول بطريقته، البعض يفضل الحل السياسي، بينما أعلنت الرئاسة وقيادة الجيش أكثر من مرة رفضه وتفضيل الحل الدستوري».
وكان مقرراً أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو الجاري، إلا أن عدم تقدم أي مرشح لها أدى بالمجلس الدستوري (أعلى هيئة قضائية في البلاد) إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وتمديد فترة ولاية الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، التي كان مقرراً أن تنتهي في 9 يوليو الجاري، لحين إجرائها.
وأشار لخضاري إلى أن محاربة الفساد في الفترة الماضية، ومحاسبة عدد من كبار المسؤولين على قضايا فساد ووضعهم قيد الحبس المؤقت يعد أيضاً تحقيقاً لمطلب مهم للحراك الشعبي.
ومنذ استقالة بوتفليقة، تم ملاحقة عدد من رموز نظامه قضائياً أبرزهم شقيقه السعيد بوتفليقة والجنرال محمد مدين الشهير باسم الجنرال توفيق والجنرال عثمان طرطاق المعروف باسم البشير بتهمة التآمر على سلطة الدولة والجيش، إضافة إلى ملاحقة أحمد أويحيى، وعبد المالك سلال رئيسي الوزراء السابقين، وعدد من الوزراء والولاة وكبار المسؤولين السابقين والحاليين بتهمة الفساد المالي بالاشتراك مع عدد من رجال الأعمال بتهم الفساد المالي، وأودع عدد منهم قيد الحبس المؤقت في سجن «الحراش» بالجزائر العاصمة، فيما وضع آخرون قيد الرقابة القضائية.
وعلى صعيد متصل، قال الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري، إن بعض الذين شغلوا مناصب عليا في الدولة لم يكونوا في مستوى الثقة التي وضعت فيهم. وأضاف الفريق قايد صالح، في كلمة له أمس الخميس خلال مراسم ترقية بعض ضباط الجيش الجزائري، «من المؤسف حقاً، ومن غير المقبول دينياً واجتماعياً وأخلاقياً أن يصل بعض كبار المسؤولين إلى هذا المستوى المتدني من الفساد، على الرغم من معرفتهم التامة بالقوانين السارية المفعول». وتابع: «هؤلاء الذين شغلوا مناصب عليا في الدولة، ووضعت في أعناقهم مسؤولية المحافظة على المصالح العليا للشعب الجزائري، لم يكونوا في مستوى الثقة التي وضعت فيهم، وهم بذلك يستحقون هذا الجزاء العادل، الذي نالوه بالقانون والحق والإنصاف».
وأكد أن العدل الحازم، والإنصاف العازم، هما السبيل الأمثل والأنجع نحو تطهير البلاد من الفساد والمفسدين على الرغم من المعارضة الشديدة المتعددة الأشكال، التي تبديها بعض الأطراف المتضررة من عمل العدالة. وقال إنه من يرى في المحيط الفاسد والمتعفن سبيله في تحقيق العيش الرغد، حتى ولو كان على حساب الوطن والشعب، فإنه سيعمل على محاربة كل جهد صادق يريد تخليص الوطن من هذا الداء المستفحل.